وردت روايات عديدة عن الأئمّة (عليهم السّلام) في النهي عن توقيت ظهور الإمام المهدي (عليه السّلام)، وفي تكذيب من يُوقِّت له وقتاً وأمَداً معيّناً..
روى النعماني عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبدالله ـ الصادق ـ (عليه السّلام): يا محمّد، مَن أخبركَ عنّا توقيتاً، فلا تهابَنَّ أن تُكذّبه، فإنّا لا نُوَقِّت لأحدٍ وقتاً [1].
وروى الطوسي عن الفُضَيل، قال: سألتُ أبا جعفر ـ الباقر ـ (عليه السّلام): هل لهذا الأمر وقت؟ فقال: كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون [2].
وروى عن منذر الجواز، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السّلام) قال: كذب الموقّتون، ما وَقَّتْنا فيما مضى، ولا نُوقِّت فيما يُستقبَل [3].
وروى الصدوق عن عبد السلام بن صالح الهَرَوي، قال: سمعت دِعِبلَ بن عليّ الخُزاعي يقول: لمّا أنشدتُ مولاي الرضا (عليه السّلام) قصيدتي التي أوّلها:
مَدارسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوةٍ ومنزلُ وحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ
فلمّا انتهيتُ إلى قولي:
خُروجُ إمامٍ لا مَحالةَ خـارجٌ يَقوم على اسمِ اللهِ بالبركـاتِ
يُميِّزُ فينا كُـلَّ حَـقٍّ وباطـلٍ ويَجزي على النَعماءِ والنَّقِماتِ
بكى الرضا (عليه السّلام) بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي:
يا خُزاعيّ، نَطَق روحُ القدس على لسانِك بهذَين البيتَين... ـ إلى أن يصل إلى قوله (عليه السّلام) ـ ولقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن عليّ (عليه السّلام)، أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذريّتِكَ؟ فقال: مَثَلُه مَثَل الساعة لا يُجلّيها لِوَقتِها إلاّ هو ثَقُلَتْ في السماواتِ والأرضِ لا تَأتيكم إلاّ بَغتةً [4].
وجاء في دعاء العهد المرويّ عن الإمام الصادق عليه السّلام: .. إنّهم يَرَونَهُ بعيداً، ونراه قريباً .
وجوه الحكمة في خفاء وقت ظهور الإمام المهدي (عليه السّلام):
• لقد أخفى الله تبارك وتعالى وقت ظهور وليّه (عليه السّلام)، ليكون المؤمنون منتظرين له (عليه السّلام) في جميع أوقاتهم، وقد روي في الإقبال عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنّه قال لحمّاد بن عثمان: وتوقَّعْ أمرَ صاحبِك ليلَكَ ونهارك، فإنّ الله كلَّ يومٍ هو في شأن، لا يَشغَلُه شأنٌ عن شأن ـ الخبر [5].
وفي رواية المجلسي في البحار عن الإمام الصادق (عليه السّلام) في حديث المفضّل:
« أقربُ ما يكون العباد إلى الله عزّوجلّ وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حُجّة الله فلم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة الله، فعندها فتوقَّعوا الفَرَج كلّ صباحٍ ومساء » [6].
• وانتظار ظهور الإمام (عليه السّلام) يدعو المؤمنين إلى التقيّد بأوامر الشريعة الغرّاء ونواهيها، وإلى الاستقامة على جادّة الصراط، لأن ظهور الإمام المهدي (عليه السّلام) ـ الذي سيكون مُباغتاً ـ يعني قيام دولته التي ينتصف فيها للمظلوم من الظالم، وقد جاء في الأثر الصحيح « إنّ اللهَ لَيَزعُّ بالسُّلطان ما لا يَزُعُّ بالقرآن.. ».
• يُضاف إلى ذلك أنّ الأمّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحيّ الموعود تعيش حالة الشعور بالعزّة والكرامة، فلا تذلّ لجبروت أعداء الله تعالى وطغيانهم، ولا تتقهقر أمام هجماتهم مهما بلغت في الشراسة، لأنّها تتطلّع إلى ظهوره المظفّر في كلّ ساعة، فهي ـ لذلك ـ تأنف من الهَوان والذُّل، وتستصغر قوى الاستكبار مهما بلغتْ من عُدّة أو عَدَد.
• ويُضاف إلى هذه الثمرات والفوائد المهمّة فوائد أخرى يكتسبها المعتقِد بظهور المهدي (عليه السّلام)، وفي مقدّمتها: تصحيح اعتقاده بعدل الله تعالى ورأفته بهذه الأمّة، إذ لم يتركها سُدىً يتناهبها اليأس، ويفتك بها القُنوط لِما تُشاهده من انحراف عن الدين، لو لم يمدّ لها حبل الرجاء بظهور الدين على كلّ الأرض بقيادة الإمام المهدي المنتظر (عليه السّلام).
• ومنها تحصيل الأجر والثواب على الانتظار، وقد ذُكرت طائفة من الروايات في ثواب الانتظار.
• ومنها الالتزام بقوله تعالى ـ في وصيّة إبراهيم عليه السّلام لبنيه ـ يا بَنِيَّ إنّ اللهَ اصطفى لكُمُ الدِّينَ فلا تَمُوتُنّ إلاّ وأنتُم مُسلمون [7]، وقد روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: « مَن مات وليس له إمام، مات ميتةً جاهليّة » [8].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
[1] الغيبة للنعماني، ص 289، ح 3 / الغيبة للطوسي، ص 262.
[2] الغيبة للطوسي، ص 261 ـ 262.
[3] الغيبة للطوسي، ص 262.
[4] الأعراف: 178. راجع عيون أخبار الرضا للصدوق، ج 2، ص 296 ـ 297، ح 35.
[5] الإقبال لابن طاووس، ص 200.
[6] الغيبة للنعماني، ص 162.
[7] البقرة: 132.
[8] كمال الدين للصدوق، ج 2، ص 606. مسند أحمد، ج 4، ص 96 بلفظ قريب.