بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
حسن نصر الله... رجل ملأ الدنيا وشغل الناس!
على مدى الأسابيع الأربعة الماضية، تناولنا ضمن سلسلة من المقالات، الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على لبنان من خلال تسليطنا الضوء على بعض جوانب ذلك العدوان السافر والانتصار التاريخي والاستراتيجي الذي استطاع أبطال المقاومة الإسلامية تحقيقه على أكبر قوة عسكرية في المنطقة.
اليوم، ونحن نقترب من الذكرى الأولى ليوم الانتصار الكبير، ذكرى الرابع عشر من أغسطس، لا نستطيع أن نختم هذه السلسلة من المقالات من دون أن نستذكر ذلك المشهد المهيب الذي تمثل بالالتفاف الشعبي غير المسبوق حول الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني سماحة السيد حسن نصر الله الذي كان النجم الأبرز والأول طوال أيام العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد أن استحوذت شخصيته على اهتمام واسع وكثيف في العالمين العربي والإسلامي، بل وحتى في داخل إسرائيل!
فقد كانت قلوب العرب والمسلمين تخفق في كل مرة يخرج فيها سيد المقاومة عبر شاشات الفضائيات أيام الحرب من خلال خطاباته الحماسية التي كانت تشعل القلوب وتلهب المشاعر بكلمات العزة والشرف والإباء بعد أن كادت تلك الكلمات تندثر من قاموس حياتنا اليومية! الجماهير العربية كانت تعبر عن ابتهاجها، في تلك الأيام، بالسيد نصر الله بشكل لم يسبق له مثيل قط منذ عقود من الزمان! فقد حملت الملايين صوره ولهجت العديد من الشعوب باسمه من خلال المظاهرات الشعبية والاعتصامات التي جالت العديد من العواصم، من نواكشوط وحتى جاكرتا، بعد أن بات رمزاً للأمة وزعيماً لها باعتباره المدافع عن كرامتها المهدورة منذ أعوام!
داني روبنشتاين، الخبير الاستراتيجي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، علّق هذا الموضوع بالقول: «إن حسن نصر الله بات شخصية عظيمة، تشخص لها أبصار الشارع العربي، بدرجة تفوق عبد الناصر في زمنه. عبد الناصر صمد في حرب يونيو ستة أيام، أما حسن نصر الله فهو يحبس رُبع سكان إسرائيل في الملاجئ منذ أربعة أسابيع»!
على أرض الكنانة، على سبيل المثال، تحوّل السيد حسن نصر الله بين عشية وضحاها إلى رمز في حياة المصريين! فعلى شرفات المنازل والمقاهي، في مختلف المدن والأحياء المصرية، انتشرت صور سيد المقاومة وبات المصريون في تلهف وشوق مستمرين إلى تلك الخطابات الحماسية! وكدليل على مدى تعاطف الشعب المصري مع سيد المقاومة، قامت العديد من الأمهات بتسمية أبنائهم بحسن نصر الله، لدرجة أن مكتباً واحداً لتسجيل المواليد شهد مئة تسمية باسم «حسن» في أسبوع واحد في حي بولاق الدكرور، تيمنا بالسيد حسن نصر الله. (الإسلام أون لاين)!
في نواكشوط، كان الموريتانيون من أشد الناس حرصاً على متابعة خطابات السيد حسن، حتى ان إحدى الصحف العربية أوردت خبراً بأنه منذ أن يبدأ «السيد» خطابه أيام الحرب، كان الصمت يلف العاصمة الموريتانية!
أما في فلسطين المحتلة، فإن الأمر لم يكن مختلفاً! فقد أفادت استطلاعات الرأي بأن شعبية السيد حسن نصر الله بين الفلسطينيين فاقت شعبية محمود عباس وإسماعيل هنية! حتى أن صحيفة «القدس العربي» نقلت عن عدد من المصلين في جامع عمر بن الخطاب الواقع في وسط مدينة رام الله أن رواد المسجد لم يكن لهم حديث أيام الحرب إلا عن «البطل» حسن نصر الله!
روني شاكيد، مراسل الشؤون الفلسطينية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، كان حاضراً في تلك الفترة في الأحياء الفلسطينية التي شهدت التفافاً غير مسبوق حول السيد حسن نصر الله، حسب قول المراسل! يقول شاكيد: «لا يستطيع عشرات الآلاف من الذين يزورون منارة رام الله إلا الشعور بوجود الأخ الأكبر حسن نصر الله الذي يطل عليهم بصورته الضخمة المعلقة على لوحة الإعلانات الموشحة بأعلام (حزب الله) الصفراء، والتي كانت حتى وقت قريب حصراً لصور الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وتصدح أجهزة التسجيل في المقهى المحيط بدوار المنارة بالأغاني التي كتبت خصيصاً لتمجيد الأمين العام لـ(حزب الله) والتهليل للنصر». وأضاف شاكيد: «مازال حسن نصر الله ملك المناطق الفلسطينية من دون منازع، فمن الصعب المرور في شوارع القرى ومراكز المدن الفلسطينية من دون مشاهدة صور نصر الله المبتسم وأعلام (حزب الله) الخفاقة، وسرعان ما يتحول أي شيء يتعلق بنصر الله إلى مثير كبير يجذب رواد الأسواق الفلسطينية، مثل القمصان التي تتشح برسمه وعلاقات المفاتيح والبوسترات وأشرطة الفيديو وكاسيتات التسجيل التي تستجمع المقطوعات الموسيقية جميع هذه الأشياء تجد طريقها بسرعة إلى رواد الأسواق»!
من جانب آخر، قد لا يكون الأمر مستغرباً كثيراً لدى البعض عن حجم التعاطف الشعبي والتأييد الجماهيري للسيد حسن نصر الله في العالمين العربي والإسلامي أيام عدوان يوليو العام الماضي، رغم الحملة الشعواء التي شنها «المعتدلون» و«المتصهينون العرب» و«مارينز الداخل» و«الطائفيون الجدد» (الذين مازالت تصريحاتهم الحاقدة وأقلامهم المسمومة مستمرة حتى يومنا هذا) ضد الأمين العام لـ «حزب الله»! لكن ما هو مستغرب حقاً هو استحواذ شخصية السيد حسن نصر الله على الشارع الإسرائيلي باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، وكما يقال إن «الفضل بما شهدت به الأعداء»!
فقد كانت غالبية الإسرائيليين تثق بالسيد «نصر الله» أكثر مما كانت تثق بالقيادة الإسرائيلية، وذلك بسبب تحليه بصفة الصدقية في نظر الإسرائيليين أكثر من قادتهم خصوصاً في شأن ما يدور على أرض المعركة، إذ كان الدخول مع السيد في سجال على مصداقية الأخبار التي كان يعلنها عن واقع سير المعركة أمراً محفوفاً بالحرج بالنسبة إلى القادة الإسرائيليين كما جرى في موضوع قصف البارجة العسكرية الإسرائيلية التي نفتها إسرائيل أولاً ثم عادت وأكدت الخبر! وكذلك الحال مع التصريح الشهير الذي أدلى به شمعون بيريز بعد أربعة أيام من اندلاع الحرب عندما قال إن «الجيش الإسرائيلي دمر ثلثي قدرات (حزب الله) الصاروخية»، وإذا بصواريخ «حزب الله» تنهال على إسرائيل كالمطر طوال ثلاثة وثلاثين يوماً، حتى أنه في اليوم الأخير للحرب سقط ما يزيد على أربعة آلاف صاروخ على شمال إسرائيل!
وقد أظهر بحث أكاديمي إسرائيلي نشر أخيراً في تل أبيب بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لحرب لبنان الثانية أن الإسرائيليين يعتقدون في غالبيتهم الساحقة أن أمين عام «حزب الله» يتمتع بأهلية وكفاءة قيادية في مختلف المجالات تفوق بما لا يقاس الكفاءة القيادية التي يتمتع بها رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت!
وأشارت نتائج البحث العلمي إلى أن مصداقية أولمرت في نظر الإسرائيليين تراجعت كثيراً بعد الحرب بالمقارنة مع السيد حسن نصر الله الذي ازدادت مصداقيته كثيراً بعد الحرب في نظر الجمهور الإسرائيلي! فبينما كانت مصداقية أولمرت قبل الحرب أعلى في نظر 5.38 في المئة من مصداقية السيد حسن 6.31 في المئة، طرأ بعد الحرب «انقلاب» في هذه النظرة إذ اعتبر 3.47 في المئة أن السيد نصر الله أكثر مصداقية من أولمرت الذي حصل في المقابل على 4.35 في المئة. (المشهد الإسرائيلي)!
عوفر شيلح، المحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، ذكر أن «نصر الله يقول الحقيقة، وهو في نظر جمهورنا تفوق مصداقيته مصداقية زعمائنا»! أما تسفي برئيل، من صحيفة «هآرتس» فتحدث عن طبيعة نظرة الإسرائيليين إلى السيد حسن، بالقول: «مثّل نصر الله في نظر وسائل الإعلام الإسرائيلية، وفي نظر الجمهور الإسرائيلي أيضاً، ثلاث شخصيات مختلفة: عدوّ مرّ وقائد جبهة الكاتيوشا، ومحلّل للخطوات العسكرية، ومحلّل ومراقب للمجتمع وللجيش الإسرائيليين»! وأضاف برئيل: «لقد تمكن نصر الله من أن يكسب صفة الرجل الصادق، الذي ثمة تأثير كبير جداً لكلامه على حياة مئات آلاف الإسرائيليين وعلى دولة إسرائيل كلها، وللمرة الأولى نجد زعيماً عربياً غير ثرثار، لا يكذب، دقيق ويستحق كل ثقة، إلى درجة أدّت إلى إثارة هلع وذعر رئيس سلطة البث في التلفزيون الإسرائيلي الذي أمر بوقف عرض خطابات نصر الله كما لو أنها سلاح حقيقي»!
كانت هذه لمحة سريعة وخاطفة في شأن حجم التعاطف الشعبي في العالمين العربي والإسلامي ومدى الإعجاب الإسرائيلي بشخصية الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي استحوذ على اهتمام عالمي واسع خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان الصيف الماضي. ولا نبالغ إذا ما قلنا أن جزءاً أساسياً من الحرب كان مرتبطاً بشخصية السيد حسن من خلال الحرب النفسية التي اعتمدها بامتياز عبر إطلالته الإعلامية المتكررة!
اليوم، ونحن نقترب من إحياء الذكرى الأولى ليوم الرابع عشر من أغسطس، يوم الانتصار الكبير، لا يسعنا إلا أن نتوجه بالتحية والإجلال إلى سيد المقاومة حسن نصر الله الذي بات رمزاً للعزة والكرامة... وإن كره الحاقدون!