رد الشيخ/ حسن الخويلدي على جريدة الحياة
رد الشيخ/ حسن الخويلدي على جريدة الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
لكي لا تكون فتنة
نشرت جريدة الحياة في ملحقها يوم السبت 15 أيلول (سبتمبر) 2007 الموافق 3 رمضان 1428هـ مقالاً للدكتور عبدالوهاب الطريري تحت عنوان (الحسين في قلوبنا) ولقد تحدث الدكتور عن شخصية الحسين (ع) وأثنى عليه بما الحسين (ع) أهل لذلك، ولكنه في نفس الوقت تعرض في مقاله إلى التعريض بما يفعله الشيعة في مراسيم العزاء على الحسين (ع) أيام عاشوراء كالنياحة وغيرها واعتبر هذا من فعل الجاهلية
ولدينا بعض الملاحظات على ما تعرض له الدكتور في مقاله:
أولأً: قضية النياحة على الحسين (ع) والبكاء عليه وإقامة مجالس العزاء في أيام المحرم من الأمور التي اهتم بها الشيعة الإمامية وتبعهم على ذلك عدد لا يستهان به من الطوائف الإسلامية المختلفة والمنتشرة في بقاع العالم، فهم يعتبرون هذه النياحة وهذا اللطم على الصدور تعظيما لشعيرة من شعائر الله.
ويرون أنه إذا كانت البدن التي تنحر في منى لوجه الله تعالى من شعائر الله ، كما قال تعالى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ } فكيف لا يكون الحسين وأهل بيته وأصحابه الذين سفكت دماؤهم من أجل الله كيف لا يكونون من شعائر الله فهم ببكائهم ونياحهم ولطمهم على الصدور وإقامتهم لمجالس العزاء يسجلون وقفة وفاء للدم الطاهر الذي سفك ظلماً على رمال كربلاء وهم (أعني الشيعة) لا يجبرون أحدا من الناس أن يحذو حذوهم، فالمسألة مسألة قناعات {لا إكراه في الدين} وما دامت المسألة هكذا فإني لا أرى أن من الصالح لوضع الأمة اليوم أن يزج بمسائلها الاعتقادية والخلافية في الصحافة ليكون من قبيل صب الزيت على النار، فإن هذه الإثارات من شأنها أن تزيد الجرح النازف في بدن الأمة.
ثانيا: هناك مشكلة وقع ويقع فيها كثير من الإسلاميين وهي مشكلة (التعاطي مع النصوص) تارة في التثبت من صحة سندها ووثاقة رواتها وتارة في فهم دلالتها، فقد ذكر الدكتور جملة من النصوص فيها ما فيها من حيث السند ووثاقة الرواة من قبيل ما روي عن النبي (ص) لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله) حيث علق الدكتور على ذلك بقوله : فلا نشرك بنبينا كما أشركت النصارى بعيسى ابن مريم وأمه إذ جعلوهما في مرتبة الإلوهية .
وهذه النصيحة التي تفضل بها الدكتور فيها تعريض واضح بطائفة كبيرة من المسلمين الشيعة وبمذهبها مع أن هذا التعريض قائم على الاتهام وسوء الفهم فالحديث المزبور مع الغض عن سنده ووثاقة رواته فإنه ينهى عن تأليه النبي (ص) (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم) فكيف أطرت النصارى عيسى بن مريم أليس بتأليهه واعتباره ابنا لله وأن عيسى وأمه إلهان وأن الله تعالى هو ثالث ثلاثة.
ثم نجد في الحديث نفسه ما يفسر هذا (إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله) فالمسألة إذن ترتبط بالنهي عن التأليه واعتبار أي من الأنبياء أو الأولياء إلها كما فعلت النصارى وأين هذا من البكاء على الحسين أو النياحة عليه وهل هذا في نظر الدكتور تأليهاً ، نعم الشيعة يعتقدون أن الحسين (ع) وأهل البيت بشر ولكنهم أفضلهم مكانة وأعلاهم قدراً كما ذكر الدكتور في مقاله.
نعم إن هناك فئة من المسلمين نسأل الله لهم الصلاح انطلقت من خلال فهمها الخاطئ لبعض النصوص الدينية فرفعت لواء التكفير وصارت ترمي كل من يخالفها في معتقدها بالكفر تارة وبالشرك أخرى وبالنفاق ثالثة، وبأنهم أخطر على الأمة من اليهود رابعة وهذا الباب إذا لم نساهم جميعا بإغلاقه فإنه سيجر الأمة إلى أبحر من الدماء (فإن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت نبهت) فاتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.
ثالثاً: أشار الدكتور إلى أن النياحة على الحسين (ع) من عمل الجاهلية وأن النبي (ص) نهى عنها ونقول على فرض صحة ذلك فإنه ما من عام إلا وقد خصّ ، فالنصوص الدينية فيها الخاص والعام والمطلق والمقيد والصحيح والضعيف وغير ذلك فلا يصح الأخذ بنص من النصوص بمعزل عن ملاحظة غيره فإذا ثبت أن النبي نهى عن النياحة فقد ثبت أنه أمر بالنوح على ولده الحسين وأهل بيته فهلا كان هذا تخصيصاً لذاك، وإلا فالنبي (ص) نفسه بكى وناح عاماً كاملاً لفراقه لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد وعمه أبي طالب حتى سمي ذلك العام بعام الحزن.
والنبي (ص) بكى على ولده الحسين قبل مصرعه بأكثر من خمسة وخمسين عاماً فقد ذكر الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ج3/194 في خبر طويل قال فيه: (فإذا عينا رسول الله (ص) تهريقان من الدموع قالت _يعني أم الفضل بنت الحارث_ يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟ قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا .. ) ثم قال الحاكم : وهذا حديث صحيح الإسناد .
وذكر قضية بكاء النبي (ص) الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وابن حنبل في مسنده وغيرهم من علماء أهل السنة كثير. فإذا كان النبي يبكي على الحسين ويندبه قبل مقتله بأكثر من خمس وخمسين سنة فهل يكون البكاء عليه وندبته بعد مقتله من المثالب، أم أننا أصبحنا في زمان قال فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : (لُبس الإسلام فيه لُبس الفرو مقلوباً) .
أضف إلى ذلك أن يعقوب النبي بكى على ولده يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } ومعنى ابيضت يعني أصابه العمى وهذا تلحظه في قوله تعالى: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرً}فهل كان بكاء يعقوب ونوحه على ولده يوسف مع علمه بحياته حتى أصابه العمى من عمل الجاهلية! وهل بكاء النبي (ص) حولاً كاملاً على عمه أبي طالب وزوجته خديجة من عمل الجاهلية!
هذا مع أن الشيعة عندهم من النصوص الصحيحة والقطعية الصدور ما يبين أهمية البكاء على الحسين والنوح عليه بل والصراخ والعويل على أن إظهار الحزن على المفقود يختلف فيه الناس، بحسب عاداتهم وتقاليدهم فكل مجتمع من المجتمعات لهم طرقهم الخاصة في مناسبات الأفراح والأحزان.
فقد ورد عن الإمام المهدي عج قوله: (فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون وإياهم فليندب النادبون ولمثلهم فلتذرف الدموع وليصرخ الصارخون ويضج الضاجون ويعج العاجون ، أين الحسن أين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح وصادق بعد صادق).
فلا يصح أن ترمى طائفة تبكي الحسين وتنوح عليه وتلطم الصدور من أجله بأن فعلها من أفعال الجاهلية، فهل يقبل منا الدكتور أن نقول بأن عدم البكاء على الحسين وعدم إقامة مجالس العزاء في أيام المحرم هو ضرب من الجفاء والعقوق للرسول (ص) ولولده الحسين وأهل بيته الطاهرين؟
رابعاً: كنا نتوقع من الدكتور أن يوجه عتاباً (كأضعف الإيمان) لأولئك الذين نصبوا أنفسهم حرباً لرسول الله (ص) وأهل بيته فصاروا يقيمون الأعراس وحفلات الغناء في أيام المحرم خصوصاً ليلة العاشر منه، وعتاباً لمعلمات الأجيال اللواتي يأتين مدارس بناتنا وهن متزينات بأنواع الماكياج والزينة في يوم عاشوراء استفزازاً بمن يطلقون عليهم (روافض).
فبدل أن يوجه العتاب لمن ينوح على الحسين ينبغي أن يوجه العتاب لمن يشمت بقتل الحسين ويقدس قاتليه ويعتبر قاتله أميراً للمؤمنين فمن أولى بالعتاب مَنْ جعل يوم عاشوراء يوم حزنه وكآبته أم مَنْ جعله يوم فرحه وسروره.
خامساً: لستُ الآن بصدد نقاش نقاط المقال وإلا ففيه جملة من الملاحظات تحتاج إلى التوضيح ولكن رعاية للاختصار أصرف النظر عنها وأنبه فقط إلى واحدة منها حيث ذكر الكاتب أن الإمام علي بن الحسين (ع) قال: (إني لأرجو أن يعطي الله المحسن منا أجرين وأخاف أن يجعل على المسيء وزرين).
وأقول الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) لم يقل هذا ، وهذا الحديث من الموضوعات التي وضعها الوضاعون للحط من مقامات أهل البيت (ع) بل قال عليه السلام : (أيها الناس أُعطينا ستا وفضلنا بسبع ، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا سيدة نساء العالمين ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة ومنا مهديها).وقال عليه السلام: (نحن الذين عندنا علم الكتاب وعلم ما فيه وليس لأحد من الناس ما عندنا لأنا أهل سر الله).
وأخيراً أرجو من الدكتور أن يتقبل كلامي هذا بصدر رحب فنحن وإن اختلفنا في وجهات النظر فهذا لا يفسد في الود قضية وهناك ثوابت وخطوط حمراء ينبغي أن لا نتجاوزها وهي وحدة الصف وعدم السماح للفتنة الطائفية أو المذهبية أن تدخل بلادنا كما آمل من جريدة الحياة الموقرة أن يكون ما ينشر في صفحاتها مساهماً في تثبيت الوحدة بين طوائف المسلمين لا مساعداً على فرقتها.
{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال / 25
حسن مكي الخويلدي
5 رمضان 1428هـ/السعودية/ القطيف / صفوى