دخل قواميس اللغة بمعنى «يصغّر من شأن شيء ما أو ينزّل من مرتبته»
بلوتو.. لماذا طرد من المجموعة الشمسية وجرد من لقب كوكب؟ منذ القدم ونحن ندرس فى مناهجنا التعليمية أن المجموعة الشمسية تحتوي في طياتها على تسعة كواكب ولكن كما يُقال دوام الحال من المحال، فبعد أكثر من 75 عاماً قضاها بلوتو بين أقرانه الثمانية .. صدر قرار بإقصائه نهائياً وتجريده من لقب كوكب، وبعد نبذه من قائمة كواكب المجموعة الشمسية أواخر 2006
فقد تم اختيار كلمة ‘’بلوتويد’’ Plutoed باعتبارها كلمة العام الماضي، على غرار شخصية العام، وذلك من قبل جمعية اللهجات الأمريكية في اجتماعها السنوي الأخير في أنهايم بكاليفورنيا وتحولت كلمة ‘’بلوتو’’، وهو اسم الكوكب السابق، إلى فعل بمعنى ‘’يصغّر من شأن شيء ما أو ينزّل من مرتبة شخص ما في الجيش أو المدرسة’’، على غرار ما حدث للكوكب السابق أواخر العام الماضي، عندما أقرت الجمعية العمومية للاتحاد الفلكي الدولي أن ‘’بلوتو’’ لا يحمل خصائص الكواكب. وقال رئيس جمعية اللهجات الأمريكية، كليفلاند إيفانز: ‘’يعتقد أعضاء الجمعية أن رد الفعل العاطفي الأكبر من قبل عامة الناس على تنزيل مرتبة كوكب بلوتو تظهر أهمية بلوتو كاسم.. وربما لم نعد نؤمن بالإله الروماني بلوتو.. غير أننا لانزال نشعر بشعور شخصي يربطنا بالكوكب السابق’’.
وتم اختيار كلمة ‘’بلوتويد’’ بعد منافسة مع كلمة ‘’كلايمت كناري’’ climate canary التي دخلت مصطلحات الإنجليزية الأمريكية بمعنى ‘’كائن حي أو أحد الأنواع الذي تشير حالته الصحية المتردية أو تقلص أعداده إلى احتمال حدوث كارثة بيئية كبيرة’’.
كما دخلت كلمات أخرى للإنجليزية الأميركية مثل murse بمعنى ‘’ثروة الرجل أو موارده’’ وflog بمعنى ‘’مدونة مزيفة تروج لمنتجات بعينها’’ و macaca بمعنى ‘’مواطن أمريكي يعامل معاملة الغرباء’’. وتضم جمعية اللهجات الأميركية، التي أنشئت منذ 117 عاماً، علماء اللغة، علماء القواعد والنحو والمؤرخين وباحثين مستقلين، وغيرهم. ويجري التصويت في الجمعية على أساس التندر والتفكه وليس على أساس رسمي !
بلوتو.. إله الأساطيروكلمة بلوتو قبل أن تطلق على ‘’كوكب بلوتو’’ قد استخدمت من قديم الأزل بمعنى إله الموت، وهو ابن الإله زحل وشقيق من جوبيتر ونبتون، وكان يحكم العالم السفلي أو عالم الأموات بحسب الأساطير الرومانية.
فكان الرومان يعتقدون أن الإنسان عند موته يسافر تحت الأرض وعليه أن يعبر أولاً نهر الموت الذى أطلق عليه ستايكس “Styx” وكانوا يدفنون الميت ويضعون معه شيئاً من العملة من أجل دفع أجرة قطع النهر للسفينة شارون Charon ربان السفينة أو قارب الموتى وهو الاسم الذى أطلق على القمر التابع لبلوتو.
وحسب الأسطورة الرومانية يتوجب على الموتى بعد قطع نهر ستايكس أن يجتازوا موضع سيربيروس Cerberus وهو كلب متوحش له ثلاثة رؤوس. كانت مهمة هذا الكلب المتوحش أن يمرر فقط الأموات حتى يصلوا أخيراً إلى قضاة الموت. وترى الأسطورة الرومانية أن الرجل الوحيد الحي الذي قاتل الكلب المتوحش هو (هرقل) الذي كان بنظرهم أقوى رجل في العالم.
بلوتو .. يتوه فى الفضاءأصبح كوكب بلوتو فعلاً ماضياً ليس له محل من المجموعة الشمسية بعد إعلان الاتحاد الدولي لعلوم الفلك استبعاده من المجموعة الشمسية لتصبح بذلك ثمانية كواكب. يأتى هذا القرار بعد أن وافق علماء الفلك العالميين بالإجماع على تعديل اقترحته الهيئة التنفيذية للاتحاد الدولي للعلوم الفلكية يقضي بتصنيف الكواكب نوعين ‘’كواكب كلاسيكية وكواكب أقزام’’.
وبعد تصنيفه كـ’’كوكب قزم’’ تم تجريده من لقبه كأصغر المجموعة الشمسية أو آخر العنقود كما يطلقون عليه، وعلى رغم أن القرار مؤلم إلا أنه كان من الضروري اتخاذه بحسب تصريحات هاينو فالكه، عالم الفلك من جامعة نييمجن: ‘’كلنا نعرف بلوتو ونحبه جدا. بالطبع إنه شيء مؤلم فقدان شخص عزيز فجأة، لكننا اكتشفنا أنه واحد من كواكب قزمة كثيرة. يجب علينا أن نتقبل أن العلم يتطور، وأننا نكتشف يوما بعد يوم أن نظامنا الشمسي أكبر بكثير وأكثر إثارة مما تخيلناه وأن علينا تغيير التقييمات الحالية’’.
فبعد اكتشاف الجرم السماوي 2003 UB 313 تبين أن قطره أكبر من قطر بلوتو وقد كان من الضروري تحديد ذلك التعريف الجديد للكوكب بعد اكتشاف عدة أجسام في نظامنا الشمسي تشبه بلوتو، وبسبب تفوق حجمه عن حجم بلوتو وجد العلماء أنفسهم أمام السؤال عما إذا كان يجدر ضمه إلى الكواكب التقليدية أم تجريده من لقبه ككوكب.
في هذا الإطار يقول العالم فالكه: ‘’هناك احتمالات متعددة لتعريف الكواكب. ولم نكن قد قمنا بذلك حتى الآن لأنها كانت موجودة بكل بساطة. لكننا توجب علينا لأول مرة التفكير في تعريف محدد للجرم السماوي المسمى كوكب’’. سوف يؤدي هذا القرار إلى تغيير الكتب المدرسية، حيث تم تحديد ثلاثة أصناف من الأجرام السماوية كما يشرح عالم الفلك الأميركي ريتشارد بينزل: ‘’تم تعريف مصطلح كوكب بدقة على أنه جسم له شكل مستدير بسبب الجاذبية الخاصة به وله مدار ثابت حول الشمس لا يتقاطع مع مدار آخر.
أما الكوكب القزم فهو أيضا جرم سماوي له شكل مستدير بسبب الجاذبية الخاصة به، ولكن مداره يتقاطع مع مدارات أخرى. أما الأجرام الصغيرة التي تدور حول الشمس من دون أن يكون لها جاذبية كبيرة بما يكفي لتكون مستديرة يطلق عليها جسيمات النظام الشمسي’’.
وقد حاول علماء أميركيون الإبقاء على بلوتو ككوكب عن طريق اقتراح بجعل ‘’كوكب’’ المصطلح العام لتلك الأجرام السماوية مع التفريق بين ‘’الكواكب التقليدية’’ و’’الكواكب القزمة’’. هذه الاقتراح نتج عنه وجود 11 أو 12 كوكبا في النظام الشمسي، لكن غالبية العلماء رفضوا هذا الاقتراح مؤكدين ‘’هناك عوامل أخرى تلعب دورا، لكننا يجب أن نتجاهلها وأن نتقيد بالتعريف العلمي الصارم’’.
ولكن كنوع من التعويض تم اعتبار بلوتو نموذج لنوع جديد من الأجرام السماوية، وهي المتواجدة وراء كوكب نبتون. ولم يتفق العلماء حتى الآن على اسم لذلك النوع. وبعد هذا التعديل فإن كوكب بلوتو المصنف بين أقزام الكواكب لم يعد كوكبا كامل الصفة، ومن ثم أصبحت المجموعة الشمسية مكونة من ثمانية كواكب وليس تسعة هي: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون.
أكثر من 75 عاماً لم تشفع لبلوتو عند العلماءهكذا جرد العلماء بلوتو من صفة الكوكب التي كان قد اكتسبها بعد اكتشافه على يد الفلكي الأميركي ‘’كلايد تومبو’’ لأول مرة العام ,1930 ويبلغ قطره 2360 كيلومتر، فهو مختلف بشكل كبير عن بقية الكواكب المألوفة مثل الأرض و’’المريخ’’ و’’المشتري’’ و’’زحل’’ بل وحتى ‘’نبتون’’ وهو أقرب جيران ‘’بلوتو’’ إليه، لكن بعد أن قاس ‘’منظار هابل الفضائي قطر ‘’2003 يو بي ‘’313 والذي يبلغ 3000 كيلو متر وهو أكبر من قطر ‘’بلوتو’’ برزت علامات الاستفهام بشأن بقاء ‘’بلوتو’’ بلقبه الكوكبي أم تغييره.
وقد أثار كوكب بلوتو الكثير من التساؤلات بين علماء الفلك فهو يختلف كثيراً عن الأجسام الأخرى التابعة للنظام الشمسي الصخرية ‘’الكواكب القريبة من الشمس’’ أو الغازية ‘’البعيدة عن الشمس’’ والتي تتبع مداراً دائريا حول الشمس، غير أن بلوتو مكون من الجليد ومداره غير دائري تماماً، وطويل جداً حيث تستغرق دورته حول الشمس 247 عاما.
كما تبين أن بلوتو أصغر مما كان يعتقد في البداية عندما اكتشفه عالم الفضاء كلايد تومبو وهو أصغر من قمرنا التابع للأرض. ولم ينطبق هذا التحديد الذي وضعه مؤتمر براغ على غير النظام الشمسي، وهو ما أثار خيبة أمل بعض العلماء الذين كانوا يريدون تحديدا ينطبق على العديد من الكواكب الأخرى - نحو مئتين حتى اليوم - التي يتم اكتشافها وتدور حول نجوم أخرى غير الشمس.
حملة لإعادة بلوتو للمجموعة الشمسيةوأثار هذا القرار حفيظة بعض العلماء الذين نظموا حملة تستهدف إعادة بلوتو، وأكد منظّم الحملة مارك سايكز مدير معهد علوم الكواكب في توكسون أن التعريف الجديد لبلوتو لا يستجيب للمعايير العلمية الأساسية وينبغي استبعاده. وشدد الفلكيون في عريضة وقّعوا عليها على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار عينة أكبر وأوسع من مكونات نظامنا الشمسي حتى يتسنى التوصل إلى تعريف أدقّ وأكثر علمية، إلا أن ذلك لم يشفع ‘’لآخر العنقود’’ لدى غالبية العلماء الذين قرروا طرده من المجموعة الشمسية.
ردود فعل غاضبةوأثار هذا الأمر جدلاً واسعاً في الرأي العام العالمي عن تأثير هذا على المناهج الدراسية وما تعلموه طوال حياتهم وتربوا ونشأوا عليه، وانقسموا ما بين مؤيد ومعارض ومحايد. (آن مينارد) في المقال الذي نشرته لتغطية الخبر على موقع National Geographic News حاولت أن تكون محايدة ولكنها لم تستطع كتمان تلك النبرة من الاستنكار في عنوان مقالها ‘’ماذا عسانا نخبر الأطفال؟!’’، أما ‘’جون جيبسون’’ من Fox News فلم يكتف بالتلميح واعترض صراحة في مقاله وبشكل ساخر تماما معلنا لهم أن يفعلوا ما يحلو لهم فبلوتو سيظل في نظره كوكبا ولا شيء يجبره على تغيير قناعاته..
أما كارل ماثيوز -مؤلف موسيقي- أصيب بالإحباط الشديد عندما علم بالخبر وهو في مطار روما، فكارل كان قد ألف مقطوعة موسيقية عام 2000 سماها ‘’Pluto’’، وأضافها إلى مجموعة من سبع مقطوعات موسيقية تمثل الكواكب السبع الأخرى غير الأرض آنذاك ألفها جوستاف هولست عام 1917 بعنوان ‘’الكواكب’’. و قال كارل ماثيوز ‘’كنت أعلم أن ذلك قد يحدث .. حيث إنه كان هناك جدل كبير بشأن حجم بلوتو .. ولكن على الأقل كان كوكبا حينما كتبت المقطوعة’’، ويبدو أن المقطوعة الموسيقية (بلوتو) كتب لها البقاء -على الأقل للتاريخ- بعد أن قررت أحد الشركات تسجيلها وستعزفها أوركسترا برلين ‘’الفيلهارموني’’ بقيادة ‘’سيمون راتال’’.
وظهرت آثار هذا الجدل في أوضح صوره في عالم المدونات الالكترونية، فمثلا كتبت دولمان في مدونة ‘’هيا نتحدث عن ...’’ تحت عنوان ‘’لا تشعروا بالحزن لأجل بلوتو’’ أنه قد أدى دوره وترك بصمة واضحة في تاريخ مجرتنا في زمن تتغير فيه الظروف والمعطيات بـ’’سرعة الضوء’’ . وعلى غرار ‘’هايل هتلر’’ أطلق أحد المدونين الفلبينيين تحية ‘’هايل بلوتو .. ملك الكواكب القزمة وحزام كويبر والمذنبات!!’’، مقتنعا ومرحبا بالتصنيف الفلكي الجديد!
وأبرز ردود الأفعال تلك، رد فعل ‘’إيريك’’ حيث أنشأ موقعا الكترونيا لإعادة انتخاب بلوتو كوكبا تاسعا لمجموعتنا الشمسية! ولم يكتف بهذا بل وضع لافتات في حديقة منزله من أجل حملته! ولمشاهدة المزيد من ردود أفعال المدونين كل ما عليك أن تدخل على موقع search.blogger.com التابع لجوجل واكتب كلمة Pluto في خانة البحث وستجد مئات النتائج.
العجيب أنه لم تكن هناك ردود فعل عربية ذات وزن يذكر، وهو ما يجعلنا نتساءل هل لا يهمنا أمر ‘’الكون’’ والمجرة التي نعيش فيها إلى هذا الحد؟! وهل هو ‘’كونهم’’ هم ولا علاقة لنا به؟!
ويبدو أن ‘’إيريك’’ و’’كارل’’ وكل محبي بلوتو قد يفرحون قريبا مرة أخرى، فقد وصلت الأزمة قمتها عندما بدأت مجموعة أخرى من العلماء حملة مضادة عنيفة على هذا القرار، فهم يرون أن تلاعبا تم في عملية التصويت وقالوا في بيان حملتهم لجمع توقيعات علماء الفلك المعارضين أن 428 عالما فقط هم من قاموا بالتصويت من أصل 000,10 عضو تقريبا باتحاد الفلكيين الدوليين! وهو ما يفتح الباب للتساؤل عن ‘’الفساد العلمي’’.
وفي أقل من خمسة أيام، وصل عدد الموقعين على عريضة الاحتجاج هذه 300 عالما من بينهم أشخاص قاموا بدراسة كل كوكب وكويكب في مجموعتنا الشمسية، بالإضافة إلى حزام كويبر، وبعضهم شارك في حملات استكشاف مجموعتنا الشمسية التي تمت باستخدام الروبوت، وبوصولهم إلى هذا العدد أغلق المنظمون العريضة معتبرين أنها أدت دورها وأوضحت رسالتهم جيدا للاتحاد، إلا أنهم ظلوا متمسكين بموقفهم :’’نحن كعلماء فلك وكواكب لا نوافق على التعريف الجديد الذي أقره اتحاد الفلكيين الدوليين ولن نستخدمه، ونصر على ضرورة وجود تعريف جديد’’.
ليست غريبة على بلوتو هذه الأزمة ليست غريبة على بلوتو بالرغم من صغر حجمه، فتاريخه أقل ما يوصف به أنه مثير، نبدأ باسمه الذي اختارته له فتاة عمرها آنذاك 11 عاما! كان يملك الحق في تسميته ساعتها معهد لويل للبحث الفلكي ومديره ‘’فيستو ميلفن سليفر’’ الذي طلب منه ‘’كلايد تومبو’’ -مكتشف الكوكب- أن يقترح له اسما بسرعة قبل أن يفعل ذلك شخص آخر، واقترحت مطلقته اسم ‘’زيوس Zeus’’ ثم ‘’لويل Lowell’’ وأخيرا اقترحت اسمها، ولم يلق أي منهم القبول، وتم اقتراح أسماء أخرى مثل ‘’كروناس Cronus’’ و’’مينريفا Minerva’’ وكانا مرشحين بقوة، وطرح الاسم ‘’بلوتو Pluto’’ لأول مرة عن طريق فتاة من أوكسفورد في بريطانيا اسمها ‘’فينيتيا باير Venetia Phair’’ في حوار مع جدها فالكونر مادان أحد العاملين بمكتبة تابعة لجامعة أوكسفورد الذي بدوره قام بتمريره إلى الدكتور ‘’هيربرت هول تيرنر Herbert Hall Turner’’ ليصل إلى زملائه في أميركا، وبعد مناقشات مثيرة استقر به المطاف اسما للكوكب في الأول من مايو/ أيار .1930
بلوتو ذلك الكوكب غير المعروف النشأة والذي تختلف طبيعته عن بقية كواكب مجموعتنا الشمسية بعد اكتشافه مباشرة توقع العلماء أنه سيتفتت في غضون عشر سنوات على الأكثر، إلا أنهم فوجئوا به يزداد كثافة وقوة مما جعلهم يعيدون حساباتهم أكثر من مرة، ويستسلمون للحيرة بعدها! وكان بلوتو في البدء الكوكب الثامن في بعده عن الشمس، إلى أن تقاطع مداره مع مدار كوكب نبتون وتخطاه ليصبح ترتيبه التاسع!