حـكاية لطيـفة عـن طفولـة النبـي محمد - صلى الله عليه وعلى آله وســلــم -
بعد أن قضت حليمة السعدية عدة سنين في تربية نبي الإسلام - صلى الله عليه وآله وسلم - في فترة طفولته , عزمت على أخذه إلى جده عبد المطلب في مكة .
وحينما وصلتها توجهت إلى الكعبة , فسمعت صوتاً من السماء يخاطب حطيماً ( سور الكعبة الخارجي ) يقول : (( أيها المكان المقدس ! سيشرق عليك اليوم النور يعادل مئات الآلاف من الشمس .)) فالتفت حواليها باضطراب لكنها لم تجد صاحب الصوت و فوجئت بغياب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - عنها , فتأملته هنا وهناك لكنها لم تعثر عليه , فاحتارت كثيرا وأسرعت نحو بيوت مكة تسأل عنه منزلا بعد آخر وهي تبكي وتصيح : (( من سرق درتي )) لكن اهالي مكة أظهروا جهلهم بالموضوع .
وفي هذا الأثناء جاء متكئ على عصا في يده وسأل حليمة السعدية عن حزنها وقلقها بذلك .
فطمأنها شيخ وقال لها : لا داعي للقلق , سأجد ذلك الطفل وأعطيك إياه .
فإني أعرف أحداً ( صنمـاً ) يتمكن من هذا الأمر . ثم اصطحبها إلى صنم (العزّى - وثن قريش المعروف - ) وقال : (( وجود هذا الصنم للإخبار عن الغيب نعمة عظيمة نحن عندما نفقد شيئاً نلتمسه . ))
بعد ذلك سجد الشيخ لذلك الصنم وقال : (( يا رب العرب ومالكهم , ويا بحر الجود والكرم , لقد مننت علينا كثيراً أنجيتنا من الهموم , وقد إعتمدنا عليك , وهذه حليمة السعدية قد فقدت طفلها فجاءت إليك لتتفضل عليها وتجده , وإسمه محمد - صلى الله عليه وآله - . ))
فما أن ذكر اسم محمد - صلى الله عليه وآله - حتى مالت كل الأصنام بما فيها العزًى وكأن لسان حالها يقول للشيخ : أيها الشيخ ما هذا الهراء , فمحمد سيكون سبباً لزوالنا .
اضطرب الشيخ بهذا المشهد وارتعدت فرائصه , كما أن حليمة أيضاً هالها موقف الشيخ , فقالت : أيها الشيخ ! إني في عذاب وحيرة . تارة تتحدث مع الريح , وأخرى تتكلم معي الأحجار , وأحياناً تأتي بعض الموجودات بلباس أخضر وتخطف طفلي و.... وكل هذه الحوادث مرتبطة بهذا الطفل الضائع , والكلام عنه طويل لكني سأقتصر على جملة واحدة وهي أن (( طفلي قد ضاع )) , ولو قلت أكثر من هذا لاتهموني بالجنون .
فواسى الشيخ حليمة ودعاها للصبر والرضى وقال : لقد آن الأوان لشيء عظيم .
فأنا مع سني الكبيرة هذه لم أر شيئاً من هذا القبيل , كيف تنحني الأصنام فقدسيتها , لسماع اسم ذلك الطفل .
بعد ذلك وصل خبر ضياع محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جده عبدالمطلب , فاتجه إلى الكعبه لاجئاً إلى الله تعالى يولول والدموع تنهمر من عينيه ويقول : (( يا إلهي ! أنا أحقر من أن أتحدث معك .. دموعي وسجودي أقل من أن تذكر . لكني أقسم عليك بتلك العناية الخاصة التي توليها لهذا الطفل
أن تتفضل علينا وتطلعنا على مكانه وحاله , وإني أتخذه لي عندك شفيعاً ...))
فهتف صوت من داخل الكعبة وقال : إهدأ ! ستزور ذلك الطفل .
قال عبدالمطلب : أين هو ؟
ذكر ذلك الهاتف بمكانه . وحينئذ توجه عبدالمطلب ومعه أشراف قريش إليه .
فوجده تحت شجرة فاحتضنه وعاد به إلى المدينة .
(( مع أن أشراف قريش كلهم كانوا من أقارب ذلك الطفل - محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - - لكنه صلى الله عليه وآله لم ينظر إلى الأحساب والأنساب بقدر ما ينظر إلى الأعمال و صفاء النيات .))