الوصايا الاربعون فى اسرار الحج
الوصايا المعنوية الاربعون لضيوف الرحمن
( يرجى قراءة ذلك وان امكن توزيعها على من يريد الحج لتشاركهم الاجر والثواب )
1- ان الحج عملية قصدية ، اذ ان الحج لغة ً هو بمعنى القصد .. والذي ليس له قصد واع ٍ للوصول الى درجة من درجات القرب الى المولى تعالى ، فلا يعد حاجا قاصدا .. فان قصد البيت شئ ، وقصد صاحب البيت شئ اخر.. والفرق بينهما كالفرق بين عالم المادة والمعنى ، فهل تصورت الفرق بينهما ؟!.. وليعلم ان اغلب الحجاج لايرجعون الا بزيارة البيت ، ولم يتعرفوا على صاحب البيت ابدا ، والدليل على ذلك رجوعهم من الحج بلا زيادة في المعرفة ، تلك المعرفة التي توصلهم الى ملكوت هذه الاية :{ الم يعلم بأن الله يرى }.
2- على الحاج ان يلتفت في جميع المواطن ان حجه يتزامن مع حج صاحب الامر (ع) الذي هو امير للحاج في كل موسم .. فعليه بالاكثار من الدعاء بتعجيل الفرج ، وخاصة في مواطن الاستجابة : كالحطيم ، والمستجار ، وتحت الميزاب ، وخلف المقام ، وعلى الصفا ، وفي موقف عرفة ، وفي ساعات رقة القلب .. فهنيئا لمن رأه مولاه داعيا له بحرقة وحنين ، ولك ان تتصور ماهي عاقبة العبد الذي استجيب في حقه دعوة مولاه بين يدي رب العالمين ، وهو في موسم استجابة الدعوات ؟!
3- في الحج ولاية وبراءة ، ولا يكتمل احدهما الا بالاخر .. اليس في شهادة التهليل شق براءة متمثلة بـ(لا اله) وشق ولاية متمثلة بـ( الا الله) ؟.. وحتى حجارة الحرم فيها الشقان بصفتيهما.. فنقبل الحجر الاسود تارة اظهارا للولاية .. ونرمي بحجارة الحرم عند الجمرات اظهارا للبراءة تارة أخرى ؟!.
4- ان الاغتسال عملية رمزية ليقول العبد بلسان حاله : يارب!.. طهرت ظاهري بما امكن من الماء القراح ، فطهر باطني بماء التوبة الخالصة مصداقا لقولك : { ثم تاب عليهم ليتوبوا } اذ ان توبة عبدك بين توبتين منك !! .. ومن الملفت حقا ان العبد مأمور في الحج باغسال عديدة منها : عند الاحرام والميقات ، ودخول الحرم ، ودخول المسجد الحرام .. وكأنه يريد بذلك ان يجدد توبة بعد توبة ، ليلتقي اخيرا بمحبوبه خاليا من كل درن .
5- عندما تلبي في الميقات مرة او اكثر من مرة ، حاول ان تتذكر كم من المرات قلت لبيك للعباد : الصالحين منهم وغير الصالحين !!.. اولا يكفي هذا التذكر ان تلبي في الميقات وانت خجل من كيفية تلبيتك لله رب العالمين ؟!.. فلطالما لبيت نداء الاخرين بكل طواعية واخلاص ، وها انت تلبي فى الميقات حريصا على اداء مخارج الحروف فحسب ، من دون التفات الى جوهر التلبية !.. فعلى العبد ان يخشى من ان ياتيه النداء عند التلبية من قبل الرب المتعال قائلا : لا لبيك ولا سعديك!!.. وهذا الذي كان يجري به مدامع المعصومين (ع) عندما كانوا يقفون في الميقات ملبين برهبة ووجل .
6- هنالك تناسب ملفت بين المواطن الاربعة التي يخير فيها المصلي بين القصر والتمام وهي : مكة مركز ( التوحيد والالوهية ) ، والمدينه مركز ( النبوة )، والكوفة مركز( الولاية ) ، وكربلاء مركز ( الشهادة ).
7- ان مكة ليست نقطة جغرافية فحسب بل هي تاريخ مطوي بكل آلامه وافراحه .. فلنتذكر ان هذا المكان هو محل المشروع الالهي الذي كان بانيه ابراهيم الخليل (ع) ، ومساعده اسماعيل الذبيح (ع) ، وامام مسجده النبي الاكرم (ص) ، ومحطم اصنامه علي (ع) .. وتذكر انه ما من موضع انملة الا وعليه موضع قدم نبي او وصي او ولي .
8- كم من الشبه بين ثوب الاحرام الابيض ، وبين الثوب الذي يلف به الطفل الوليد ، وبين الثوب الذي يكفن به الميت الطريح .. وعليه فان موقفك فى الميقات موقف بين الولادة والموت ، وقديما قالوا : قم واغتنم الفرصة بين العدمين!! .
9- في الميقات يتجرد الانسان عن كل المظاهر التي اكسبته وجاهة صورية لا واقع لها الا الوهم والخيال ، وذلك من اشكال الزينة في المظهر ، والملبس .. اوليس من الحري بالحاج ان يتجرد بموازاة ذلك عن كل اشكال الوهم والخيال الفاسد في الباطن كالخيلاء والعجب والرياء ، والذي لا يعلمه الا الله تعالى ، وكذلك العبد الذي جعله الله تعالى بصيرا على نفسه ولو القى معاذيره .
10- ان تروك الاحرام تعليم للعبد على مخالفة هوى نفسه ، وماهو المألوف في حياته كـ : التطيب ، والتدهين ، والاستمتاع بالنساء ، والتوقي من حرارة الشمس ، ودفع هوام البدن وغير ذلك .. ومن المعلوم ان الطريق الى الله عزوجل لايسلكه العبد الا بمخالفة مقتضيات طبعه ، والخروج عن مالوف عامة الخلق ..
11- ان من مصاديق الفرار الى الله تعالى فى قوله تعالى : { ففروا الى الله} هى الحركة الباطنية اليه ، ولكن الحج حركة ظاهرية للفرار ايضا .. فاذا دخلت المسجد الحرام فتصور نفسك انك عبد آبق ارتمى في احضان مولاه داخل بيته ، وخاصة عند الدخول الاول ، وخاصة في الحجة الاولى فانها مشاعر لا تتكرر في اي بقعه من بقاع الارض .. و على الحاج ان يعيش مشاعر متنوعه عندما يدخل المسجد الحرام .. منها : الاحساس بان هذا بيت ربه الودود ، ومنها انه بيت ابيه ، اذ جعل القران الكريم ابراهيم ابا لهذه الامة ، حيث قال تعالى : {ملة ابيكم ابراهيم } ، ومنها انه بيت الامن والامان حيث قال تعالى :{ ومن دخله كان امنا} ، ومنها انه بيت الحرية حيث انه البيت العتيق ، ومنها انه بيت البركة حيث قال تعالى : { ببكة مباركا }
12- من المعروف - وان لم يكن من الماثور - ان للحاج في الحجة الاولى دعوات مستجابه .. وهذا الامر ليس بغريب اذا ان للضيف في اول ساعات الضيافة اكرام خاص لا يتكرر في الزيارات المقبله ، اذ ان عدم قيامه بلوازم الادب في بيت المضيف في السفرات السابقه ، قد يحرمه بعض العطاء في الزيارات اللاحقة .. بينما الضيف في زيارته الاولى لم يرتكب اي تقصير في هذا المجال .
13- على الحاج ان ينظر الى من حوله من حجاج بيت الله الحرام على انهم ضيوف رب العالمين ، والله تعالى سريع الانتقام لمن يخل بحقوق ضيوفه مهما كانت عناوينهم السابقة من حيث المعصية .. إذ أن الحاج عندما يأتي للبيت العتيق يتجرد عن كل سوابقه ، ليكتسب حصانة في تلك الديار الامنة.. فلا تنظر الى الحاج بمنظار الصداقة والقرابة ، وانما بمنظار الوفادة على الله تعالى.
14- إن الهدية سنة حسنة لو التزم بها وفاد بيته الحرام .. ولكن ليحذر الحاج من الاسراف والتبذير ، والمباهاة ، في هذا المجال .. ولا ينبغي ان تكون هذه السنة المحبوبة لمولاه ، شاغلة له عن وظائف العبودية في تلك اللحظات الحاسمة .. وكم من القبيح ان يشتغل العبد بذلك ، والمنادي ينادي ( حي على الفلاح ) وهو في بلد الصلاح والفلاح !!.
15- ان فى الحج تخليدا لذكرى من بذلوا شيئا او تحملوا شيئا في سبيل الله تعالى ، فها هي امة غريبة مجهولة القدر ، تحملت السكنى بواد غير ذي ذرع ، امتثالا لامر ولي امر زمانها ، المتمثل بابراهيم الخليل (ع) ، واذا برب العالمين ، يعوضها في الدنيا قبل الاخرة ، من انواع التكريم ما لا يخطر ببال بشر!.. والحاج يهرول حيث هرولت ، ويشرب من الماء حيث زمت ، ويتحاشى الطواف على قبرها ، وكأنه جعل جزءا للبيت العتيق.
16- لو ارادت جهة من جهات الارض ان تجمع هذا الجمع الغفير في تلك البقاع ، التي ليست فيها اغراءات الطبيعة الخلابة ، والمياه الجارية ، والنسمات العطرة لما استطاعت ، ولو بذلت ما بذلت !! .. ولكن نداء من ابراهيم الخليل (ع) قبل الآف الاعوام ، جذبت هذه الجموع من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ، وليطوفوا بالبيت العتيق.. اليس هذا مصداقا من مصاديق مباركة المولى جل وعلا في دعوة من يحب ؟!..
17- إن الحاج ممنوع من حمل السلاح في حال الاحرام ، لئلا يكون وجوده وجودا مهيبا باعثا على الذعر والخوف .. ولكن البعض قد لا يحمل السلاح لا في الحج ولا في الوطن ، ولكنه يبعث الذعر في النفوس - وخاصة في المستضعفين حوله من الاهل والولد - بتقاسيم وجهه ، ونبرات صوته ، والحال ان المسلم ، من سلم المسلمون من يده ولسانه.
18- كما ان المال منه رزق مقدر من الله تعالى كعطاء خاص منه ، ومنه مال ممنوح للعبد على حسب مقتضيات قواعد الكسب والتحصيل، وكذلك الحج : فمنه حج عطائي بدعوة خاصة من مالك المالك ، ومنه حج يتحقق ببذل شيء من المال لاصحاب قوافل الحج ، من دون ان يكون هناك نظرة خاصة لصاحب تلك الديار اليه !!.
19- ما اجمل هذا التعريف للحج من فقيه من فقهاء الامامية ، وهو صاحب جواهر الكلام ، حيث يقول عن الحج انه : ( رياضة نفسانية , وطاعة مالية ، وعبادة بدنية ، قولية وفعلية ، وجودية وعدمية ).. ومن الممكن لكل حاج ان يتأمل في الحج ، ليكتشف تعريفا جديدا للحج ، لم يخطر ببال احد ، فللحج اسرار تفتح على القلوب الملتفتة المتعطشة للحقائق .
20- من التعابير الرائعة عن الحج ما ورد عن علي عليه السلام كما في نهج البلاغة : ( يألهون اليه ولوه الحمام ) ، أرأيت اسراب الحمام الظامئة وهي تحط بجانب الغدير ؟.. فكم يكون حرصها على التزود منها قبل ان تطير الى القاحل من البقاع ؟.. فعلى الحاج ان يرى نفسه كمثل هذا الحمام الذي ساقه العطش الى غدير الحرمين الشريفين ، ليرجع بزاد العام كله ، فهل كل الحجاج كذلك ؟..