ساد اعتقاد خاطئ- حتى عهد قريب- بأن دور الأم في الأسرة أكثر أهمية وتأثيرا من دور الأب، ويدلل على ذلك شدة اهتمامها الفطري الطبيعي بأطفالها وتفرغها لأداء وظيفتها، ولهذا ظلت كثير من المجتمعات تغفل دور الأب في عمليات التنشئة الاجتماعية وتحمل الأم المسؤولية الكبرى في هذا الجانب، والواقع يؤكد أن دور الأب له نفس الدرجة من الأهمية، بدليل ما نلاحظه من اضطراب في سلوك الأطفال الذين حرموا من وجود الأب أثناء نشأتهم.
وحاجة الطفل إلى الأب تنشأ من فترة مبكرة على غير ما يتصوره البعض من أن الأب غير ضروري في مرحلة الطفولة المبكرة، بل في المرحلة التي يتحتم فيها الإشراف الدقيق على سلوك الطفل كمرحلة المراهقة، حينما يتعرض الطفل لأنواع الانحراف، وهذا زعم خاطئ لأن حاجة الطفل إلى الأب ليست بسبب الإشراف فقط، بل لأن الوضع الطبيعي لكل طفل أن ينشأ في ظل أب يرعاه ويبادله الحب، ويتوسم فيه الطفل المثل الأعلى وينتسب إليه، ويجد في كنفه الحماية والأمان.
لقد بدأت بعض المجتمعات تدرك أهمية وجود الأب في حياة الطفل منذ ولادته وذلك نتيجة لما أثبتته الدراسات المتخصصة عن أهمية دور الأب في نمو الطفل جسميا وعاطفيا وفكريا واجتماعيا. وكان من أوائل الباحثين في هذا الجانب (Martin Greenberg & Norman Morris, 1974) حيث قام هاذين الباحثين بملاحظة مدى سعادة الأباء بأطفالهم حديثي الولادة ورضاهم عنهم. فقابلا الأباء الجدد واكتشفوا أن الأباء يبدؤون بتكوين علاقة مع أطفالهم حديثي الولادة خلال الثلاثة أيام الأولى من ولادتهم، وأن هذه العلاقة كانت تتسم بالاهتمام interest والانهماك الكامل engrossment بأطفالهم الجدد (Parke, 1981). كما أكد على ذلك أيضا (Parke, 1981) حيث أشار إلى أن للآباء تأثير مباشر على الرضع من خلال تأثيرهم على أسلوب معاملة الأم للرضيع، حيث قام الباحث بملاحظة مقارنة لمجموعة من الأمهات مع أطفالهن ومجموعة أخرى في وجود أزواجهن، وتوصل إلى أنه في حالة تواجد الآباء فإن تفاعل الأمهات مع أطفالهن من خلال التحدث إليهم، وملامستهم، وحملهم، والتبسم نحوهم، واستكشافهم (تلمس أصابعهم وآذانهم ورؤوسهم وغيرها من عمليات التفاعل والاتصال بين الأمهات وأطفالهم) تزداد.
وفي دراسة (David Phillips, 1979) التي استهدفت التعرف على ما إذا كان الآباء يتحدثون مع أطفالهم حديثي الولادة- كما يفعل الأمهات- استخدم فيها أسلوب التسجيل الصوتي، وجد أن الآباء كالأمهات يتحدثون إلى أطفالهم حديثي الولادة وأن حديثهم تميز بالبطيء، وقصر الكلمات المستخدمة، وتكرار بعض الكلمات والجمل. وأكد على أن هذا النوع من الحديث (الحديث الطفولي baby talk) يساعد الآباء على التفاعل مع أطفالهم بصورة أفضل (Parke, 1981).
إن دور الأب في الأسرة يجعله مسؤولا عن إعالتها ونموها العقلي، وإشباع حاجاتها النفسية والاجتماعية، علاوة على ذلك فإن وجود الأب يشعر الطفل بأنه مماثل لزملائه في المجتمع الخارجي، فالأفراد الذين فقدوا آباءهم مبكرا يتألمون إذا ذكر أحد زملائهم أباه أو تحدث عنه، بل كانوا يختارون أصدقاء لهم في مثل ظروفهم، أي فقدوا آباءهم، وذلك لأنهم كانوا يشعرون بنقص شديد ومرارة لغياب الأب من حياتهم.