بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوة الإيمان
مات الخليفة العباسي المأمون ليلة الثاني عشر من شهر رجب عام 218 هـ.ق ..
ودفن في مدينة طرسوس فخلفه أخوه المعتصم، الذي بذل مساعيه لتثبيت دعائم خلافته، فكان أول ما اتخذه لدفع الخطر المتوقع الذي كان يهدد عرشه من قبل الإمام الجواد عليه السلام أن أتى به من المدينة إلى بغداد وأخضعه للإقامة الجبرية.
ولم تمض مدة على إقامته في بغداد حتى دس له المعتصم السم وقتله. وقد كان ذلك اثر هذه الحادثة :
قال الزرقان أحد مقربي ابن أبي داود :
أنه رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم جدا فسألته عما ألم به فقال:
- وددت اليوم أني مت قبل عشرين سنة.
قلت: ولم ذلك؟
قال: لما كان من أبي جعفر الجواد عليه السلام في مجلس المعتصم؟
قلت: فماذا حدث؟
قال: أتي بسارق إلى مجلس الخليفة وقد أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة أن يطهره بإقامة الحد عليه. فجمع لذلك الفقهاء ومعهم الجواد عليه السلام، فسألنا عن موضع القطع ؟
فقلت: من الكرسوع .
قال: وما دليلك؟
قلت: لأن اليد تعني الأصابع والكف إلى الكرسوع لقوله سبحانه في آية التيمم..: [فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ].
واتفق معي في ذلك قوم، بينما قال آخرون يجب القطع من المرفق لقوله سبحانه في آية الوضوء..:[وأيديكم الى المرافق] فهي واضحة في إن المرفق هو حد اليد.
ثم إلتفت المعتصم إلى أبي جعفر فقال:
- ما تقول في هذه المسألة؟
قال عليه السلام:
- إعفني، فقد تكلم القوم في ذلك.
فأعاد المعتصم قوله، فأستعفى الإمام عليه السلام غير أنه لم يعفه وقال:
- أقسمت عليك بالله لما قلت بما عندك.
قال عليه السلام:
- إذا أقسمت فأقول أنهم أخطـأوا، فالقطع يكون من مفصل أصول الأصابع وتترك الكف.
قال المعتصم: وما الحجة في ذلك؟
قال عليه السلام:
- قول النبي (ص) السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقد قال سبجانه: [ وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا ] وما كان لله لم يقطع.
فأعجب المعتصم بذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع.
قال ابن ابي داود: فثارت حفيظتي وقامت قيامتي وتمنيت أني كنت ميتاً ولم أرَ مثل ذلك اليوم.
فقصدت المعتصم بعد ثلاثة أيام، فقلت له:
- نصيحة الأمير عليّ واجبة، سأكلمك في أمر أعلم أني أدخل به النار.
قال: وما هو؟
قلت: أن الخليفة يجمع الفقهاء والعلماء في مجلسه لحكم من أحكام الدين، وقد حضر المجلس القواد والوزراء ويسمعون ما يدور من أحاديث، ويسأل عن الحكم فيخبره الفقهاء بما عندهم، ثم يترك أقوالهم كلهم لقول رجل يقول شطر من هذه الأمة بإمامته ويدعون أنه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء.
قال فتغير لونه وانتبه لما أرتكب من خطأ فقال:
- جزاك الله عن نصيحتك خيراً.
فأمر في اليوم الرابع أحد كتابه بأن يدعو الإمام الجواد إلى منزله، فدعاه، فأبى عليه السلام أن يجيبه، فأصر عليه قائلا:
- إنما أدعوك إلى الطعام وأحب أن تدخل منزلي فأتبرك بك، وهناك بعض وزراء الخليفة ممن يتمنون رؤيتك في منزلي.
فأضطر الإمام عليه السلام لذلك، فدسوا له السم في الطعام، فلما طعم أحس بالسم، فعزم على الإنصراف. فسأله رب المنزل أن يبقى فقال عليه السلام:
- خروجي من دارك خير لك.
فلم يزل عليه السلام نهاره وليله يكابد السم حتى سرى في جميع بدنه الشريف فقبض.. والله تعالى اعلم